مشاهدة النسخة كاملة : كانت تبـــــــكي وهي تسألـــني , وكنت طــفلاً


ابوخالد111
05-05-2006, 06:02 PM
/ / قصـــــــة رائعة رأيت أن أنقلها لكم كما هــــــــــي //

كان الوقت مساءً، وكانت مدينة الرياض ترفل في أسمالها القديمة المتواضعة البسيطة من عام 1400 هـ وكنت طفلاً حزيناً جداً، لا تسألوني عن سبب هذا الحزن الذي يعصف بي منذ صغري حتى وإن حاولت أن أظهر خلاف ما أبطن، فالطير يرقص مذبوحاً من الألم، ونحن لا نختار أقدارنا بأنفسنا، ولا نصنع تاريخ أمجادنا أو نبني مستقبلنا كما نشاء، وإن كنا نساهم فيه بين الحين والآخر بجهدٍ متواضعٍ جداً، لا يغير من واقع الحياة شيئاً إلا إذا أراد الله تعالى، كنت محموماً تلك الليلة بفعل التهابٍ شديدٍ في اللوزتين، وكان لهذا الداء العضال دور كبير في ضرب صمامات قلبي، وإرغامي على أن أكون ضيفاً ثقيلاً على عيادات الأطباء المتخصصين في أمراض القلب، مع أنني لا زلت صغيراً في السن، أخذتني أمي إلى مستشفى الرياض المركزي الشميسي، وهناك خفف الأطباء من حرارة جسدي ببعض الكمادات الباردة، حتى أذهب الله عني شيئاً من الحرارة التي أفقدتني توازني وشلت تفكيري .
انشغلت أمي بالصيدلية، وانشغلت أنا بالتسكع داخل دهاليز المستشفى عندما لمست من نفسي شيئاً من النشاط، والطفل طاقة متحركة لا تكاد تهدأ، لم أبتعد كثيراً فأنا شبل في حضن لبؤةٍ طيبة القلب، إنها أمي جعلني الله فداها، وقدّم يومي قبل يومها، وأثناء تسكعي على غير هدىً رأيتها واقفة عند إحدى الزوايا، استوقفتني بصوتها الباكي الحزين، كانت امرأة شابة في العقد الثاني من عمرها تقريباً، فارعة الطول، منتصبة القامة، مهيضة الجناح، سألتني وهي تنشج هل تجيد الكتابة، أجبتها كلا، كفكفت دموعها التي أفسدت علي بقية ليلتي، كنت صغيراً لكن عقلي المحتار كان بحاجةٍ إلى جوابٍ، لماذا بكت هذه الكريمة الفاضلة ؟ لماذا بكت هذه النسمة الرقيقة، من الذي أبكاها ؟ أو ما الذي أبكاها ؟ لا زلت أسأل نفسي حتى اللحظة، ولازال المشهد مطبوعاً في ذاكرتي حتى ساعة كتابة هذه الخاطرة، راودتني نفسي أن أستوحي من دموعها قصةً، أسطرها لنفسي ولغيري، غير أنني احترمتها وأ حنيت رأسي لدمعتيها .
أما الأقسى منه وال أنكى، والذي حفر في أعماق نفسي أخاديد أحزانٍ لا أعتقد أنها ستندمل يوماً، فكان عندما عدت من مدرستي ظهر يومٍ من أيام مدينة الرياض الحزينة، كان الوقت صيفاً، وكان الجو خانقاً جداً لا يطاق ولا يحتمل، تضافرت عوامل القهر والقرف في آنٍ معاً، دخلت المنزل فوجدت والدتي تنشج، سألتها ماذا هناك يا أم ؟ قالت : توفي والدك، توقف الزمان قليلاً وأنا أقلب عبارتها في عقلي الصغير الحزين، توفي والدك ! لماذا توفي والدي أنا ؟ ولم أفهم معنى الوفاة حينها، أو ما الذي سيترتب على تلك الوفاة، لم أجد الجواب المناسب في عقلي الصغير، لماذا توفي والدي أنا من دون البقية ؟ تركت حقيبة مدرستي تهوي على الأرض، وجلست بجوار أمي، اتكأت على حجرها بطرف ذراعي، وتناولت لعبتي ذات اللون الأزرق، أي وربي، كانت عبارة عن لعبةٍ بدائيةٍ جداً، تحتوي مجسماً للكعبة المشرفة، غارقة في ضحضاحٍ من المياه المختلطة بقطعٍ بيضاء تشبه ندف الثلج الأبيض، كنت أحرك تلك المياه وأدير تلك الندف البيضاء في جنونٍ حول الكعبة وأنا أفكر وأفكر، ما الذي كنت أفكر فيه تلك اللحظة ؟ لا أذكر لكنني أعتقد أنني كنت أستشرف مستقبلاً أسوداً حالكاً كسواد ليلٍ توارى بدره، وما هذه الدنيا إلا مخلوقة ملعونة، كانت والدتي يرعاها الله تنشج نشيجاً يقطع جلاميد الصخر، وكان الموقف برمته فصلاً رديئاً جداً، لكنه صادق المشاعر، جارحاً للنفس، مؤلماً للأحاسيس، كانت صورةً حقيقيةً لمعنى الأحزان، صورة لم تزيفها يد شاعرٍ، أو تخطها ريشة أديبٍ، ولا قلم كاتبٍ ............... أو حتى مخرجاً سينمائياً .
غاب الأسد، وكسر ضلع اللبؤة، وجاع الشبل أو ضاع .
لا زلت أذكره يرحمه الله وهو على سرير المرض بفعل ذلك الحادث المؤلم الذي أصابه عند عتبة المسجد، فقد كان حمامة مسجدٍ وداعية خيرٍ يرحمه الله، كان مكسر العظام يتألم من هول الحادث الذي قذفه عشرات الأمتار فوق الإسفلت، تراودني نفسي كثيراً أن ألثم ذلك الإسفلت الذي عانق جسده الطاهر قبل عقدين ونصف، حملني رجل من الحضور حتى أرى والدي جيداً، فالتقت عيناه الغائرتين بعيني الفضوليتين، وتناجت العينان، قال الكثير الكثير، ولذت بصمتي لصغر سني، لكنني قرأت في عينيه الخوف من المجهول الذي يكتنف أبنائه، وحق له أن يخاف، ألا لعنة الله على الحياة .
أعتقد أن حبات اللؤلؤ خلقت من دموع امرأةٍ، وأن بلورات الياقوت وجدت في أعماق عين المرأة، لا أستطيع وصف حبات الجمان التي تجري كنهرٍ عذبٍ رقراق على صفحة خدها، الدمعة الواحدة تخجل عين الشمس، ولا يجرؤ المنديل الحريري على مسحها لئلا يخدش ذلك المجرى الذي حفرته حبة الماسة النادرة، ألا شلت يد من تجرأ وأبكى أثنى، أو تسبب في بكاء أنثى، في رواية الحزام التي سطرها أحمد أبو دهمان، يقول شيخ القرية للعاشق : إياك أن تضرب حبيبتك، فيجيبه الشاب : وهل يجرؤ إنسان على ضرب أغنيته ؟
شكراً لك أيتها المرأة، إنني أحني قامتي لك، وتلجمني دمعتك، ويخرسني نشيجك، إنه أعذب نشيدٍ إنساني فياض، نشيد حزين وصادق، أصدق من الصدق نفسه، لا تبكي أمامي، فبكائك يجرحني، يقتلني ويخنقني، رجاءً لا تبكي، لئلا تفسدي علي بقية حياتي .

بكيتُ عليها خِيفةً في حياتها - وذاقَ كلانا ثُكلَ صاحبهِ قِدْما
أحنُّ إلى الكأسِ التي شَرِبتْ بها - وأهوى لمثواها الترابَ وما ضمّ

***** كـــم جميـــــــــلاً لوبقينــــــــأ أصدقـــــــــــــــأ *****

بنساك
05-05-2006, 07:38 PM
أخي الكريم ............... ابوخالد111


يعطيك العافيه .. على القصه الجميله


فعلن كن جميلاّ

تقبل تحياتي


بنســـــــــــــاك

ابوخالد111
05-05-2006, 09:01 PM
اخوي بنساك الف شكر لك على المرور الرائع والجميل

ضياع الحب
05-07-2006, 09:45 PM
مشكوووووووووور اخي ابو خالد على قصة والله يعطيك الف عافية

تحياتي عطرة

هاجس الشمال
05-07-2006, 11:06 PM
تسلم اخوى ابو خالد


وربي يعطيك العافيه على طرحك لهذه القصه الرائعه



تحياتي لك