مشاهدة النسخة كاملة : روافد الملل والضياع في حياتنا اليوم


RiRi
01-28-2005, 07:29 PM
*إن من الملاحظ في هذا العصر - رغم تقدم وسائل الترفيه والاستجمام - إن هناك شريحة كبيرة من المجتمع تعيش حالة الفراغ الباطني ، والذي يتجلى على شكل حالة من الملل ، وعدم تحمل أدنى مثير من مثيرات الحياة ، فردة الفعل الطبيعية لدى هذا البعض هو التبرم والخروج عن الطور الطبيعي عند مواجهة مشاكل الحياة.





* إننا نعتقد أن استمرار هذه الحالة من الملل والتبرم ، سيورث قطعا بعد فترة حالة من الاكتئاب المزمن ، واليأس من الحياة ، والنظر الى المستقبل بنظرة سوداوية غير متفائلة ، وذلك عندما يرى السائر انه يسير في نفق طويل مظلم .. فكلما زاد كدحه فى الحياة زاد تعبا ، كالذي يركض وراء السراب ، وقد شبه القرآن الكريم حركة الكافرين بهذه الظاهرة السرابية الخادعة.





* إن من روافد هذه الحالة هو : عدم وضوح خطة وهدف واضح في الحياة، فإن أكثر الناس يعيشون هم الساعة التي هم فيها ، فالمهم لديهم هو اللذائذ والاستمتاع في تلك الساعة ، ولا يهمهم ما ينتظرهم في المستقبل من مفاجآت مزعجة .. وعليه فالخطوة الاولى للخروج من هذا المأزق هى تقوية البنية العلمية ، والنظرة التوحيدية للكون ، ومن هنا كانت الحكمة الالهية الصادرة من مدرسة الوحي نعم الضمان لابعاد الفرد عن هذا التشوش والتبعثر الباطني.





* ان الخطوة اللاحقة لامتلاك النظرة الواضحة والصائبة للوجود ، هو العزم العملي لتحقيق الهدف من الخلقة ، اذ أن حديثنا هنا هو مع الموحدين والذين يعتقدون بوجود اله حكيم فطر هذا الوجود لغاية عليا تخرج الوجود عن العبثية الى الهادفية ، وعليه فلا بد وان ينسق العبد حركته في الحياة مع رغبة من اليه مصير الخلق جميعا ، والذي لا يعد الاجابة الواضحة للمساءلة الدقيقة في يوم اللقاء ، سوف يجمع بين الخسارة والفضيحة على رؤوس الاشهاد.




*من روافد الضياع والملل هو : الانخراط في صفوف الغافلين اللاهين .. فاننا لا يمكننا انكار هذه الحقيقة وهي ان الغالبية العظمى للبشر يعيشون في هذه الحياة طلبا للذائذ من دون ان يكون هناك جامع مشترك لمجمل نشاطاتهم في الحياة غير ما ذكر .. وعليه فإن الانس بالغافلين من موجبات المقت الالهي ، لان الله تعالى كما يحب الاجتماع على الخير ، فإنه يكره الاجتماع على الشر ، اضف الى ان تكرارالنظر الى الباطل يسلب منه باطليته ، بل يضفي عليه الحقانية كما نلاحظه في الممسوخين من العباد.




* من روافد الضياع والملل : هو التوغل في عالم الالتذاذ ، والاستمتاع بالملاهي .. فمن المعروف ان النفس الانسانية بفعل الممارسة المستمرة لبعض صور اللذائذ ، فإنها تألف تلك الصور بمعنى انها لا ترى كثير جاذبية في تلك الصور ، والدليل على ذلك هذا التغيير المستمر لمتع الحياة والانتقال من صورة الى صورة .. هذا كله اذا كان الضمير متفقا مع النفس فى اصل التلذذ ، فكيف إذا كانت النفس تمارس صورا من الحرام على خلاف مقتضى الطبع والوجدان ؟!.. فمن الواضح في هذه الحالة ان الشد بين النفس وبين الدافع الغريزي والوازع الايماني من موجبات سلب التلذذ ولو بعد حين.





* ان طبيعة الانسان قائمة على حالة الارتكازية والاعتماد على ما يدعم بناءه الداخلي تماما كأعمدة البناء ، فاذا لم تتحقق في حياته هذه الدعامة ، فإن بناءه سيكون هشا وعرضة للاهتزاز بل التزلزل .. ولا شك ان كل ما يمكن ان يفترض انه دعامة للانسان ، فإن مصيره الى الزوال والفناء بخلاف ما يعبر عنه القرآن بـ "الكلمة الطيبة" التي اصلها ثابت وفرعها في السماء.. او هل يمكن ان يكون ذلك امرا سوى التوحيد بكل لوازمه ؟!




* إننا اذا اعتقدنا بان الروح امانة الهية ، لها اتصالها المباشر بالله تعالى ، حيث يعبر عنها القرآن الكريم بـ ( فنفخت فيه من روحي ) عند خلقة آدم وعبر بـ ( ثم انشاناه خلقا آخر )عند نفخ الروح فى الجنين لكل بنى آدم .. نقول بعد ذلك ان هذه الروح التي اتت من عالم الغيب بمقتضى ( إنا لله ) فلماذا لا يتحقق الشق الاخر بمقتضى ( وإنا اليه راجعون )... ومن الواضح ان هناك رجوعا قهريا اليه وهناك رجوع اختياري .. فهنيئا لمن حقق ما بالاختيار قبل ان يتورط فيما هو بالاضطرار !!.