ولــــd
01-15-2005, 04:22 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المستقبل وما سيجري فيه من أحداث ووقائع هو غيب ، لا يعلمه إلا الله ، وقد وردت آيات صريحة في القرآن الكريم تتحدث عن أخبار مستقبلية وتجزم بأحداث قادمة . وقد وقعت تلك الأخبار كما أخبر القرآن ، الأمر الذي يدل على مصدر هذا الكتاب الرباني ، ولقد تحققت هذه الأخبار المستقبلية في القرآن الكريم من خلال مظاهر كثيرة نذكر منها ما يلي :
الوعد الجازم بهزيمة المشركين في معركة بدر :
يقول الله سبحانه وتعالى : (( أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ * سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ )) القمر : 44 نزل هذا الوعد الإلهي في مكة عندما كان مشركي قريش يسرحون في اوج قدرتهم , بينما كان المسلمون مستضعفين يشكلون قله قليلة بينهم ، إلا أن الوعد كان جازماًُ بأن هؤلاء المشركين الذين يفتخرون بقدرتهم وشوكتهم وجمعهم سيهزمون ويولون الأدبار .. يقولون : نحن جماعة قوية متحدة و منتصرة : (( أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ )) , الا ان القرآن يعقب على ذلك مباشرة بقوله : (( سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ )) روى ابن حاتم بإسناده إلى عكرمة أنه قال : لما نزلت (( سيهزم الجمع ويولون الدبر )) ، قال عمر : أي جمع يهزم ؟ أي جمع يغلب ؟ قال عمر : فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع ، وهو يقول : (( سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ )) فعرفت تأويلها يومئذ.
ان من المسلم له هو عدم امكان حصول التوقع والحدس بالانتصار السريع للمسلمين وكسر شوكة اعداء الاسلام في ذلك الزمان وفي تلك المعركة إذ كيف سينتصر المستضعفون الأقلون عدداً وعدة على الاكثرين المتجبرين ؟ فلقد بلغ عدد جيش المشركين في معركة بدر كما في صحيح مسلم ( 3/1384) ألف رجل وكان معهم سبعون فرساً ، والعدة الكاملة والأعداد الكثيرة من الإبل للركوب والأكل ، على حين أن جيش المؤمنين كان 316 رجلاً فقط ، وكان معهم فرسان كما تذكر كتب السير وكما جاء في مسند الامام أحمد 1 / 422
إلا ان المعركة انتهت بنصر مؤزر للحق وهزيمة منكرة للباطل وضاعت هيبة قريش وتبين للجميع أن الحق مع محمد صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه .
وفي هذا قَالَ تَعَالَى ممتناً عَلَى عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ بعد ذلك : (( وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )) آل عمران / 123 أي انكم كنتم أذلة بِقِلَّةِ الْعَدَد وَالسِّلَاح إلا أن الله نصركم فَاتَّقُوا اللَّه لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ نِعَمه .
ولذا فإن الله سبحانه وتعالى قد سمى هذه المعركة بعد ذلك بيوم الفرقان أَيْ الْيَوْم الَّذِي فَرَّق الله فِيهِ بَيْنَ الْحَقّ وَالْبَاطِل وكان يذكر المؤمنين بهذا اليوم العظيم فيقول كما في سورة الانفال : (( إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ))
هذا وقد نقل بعض المفسرين : ان هذه الاية وهي قوله تعالى : (( سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ )) قد نزلت في ميدان معركة بدر , في حين ان الـمعروف والمشهور هو نزول سورة القمر باجمعها في مكة , والظاهر ان منشأ الاشتباه هو ان النبي صلى الله عليه وسلم كرر هذه الاية في ساحة بدر , فكانت اشارة واضـحة الى تحقق الوعد الالهي في ذلك اليوم , لهذا ظن البعض ان الاية نزلت في ذلك المكان , على كل حال فهذه هي احدى التنبؤات القاطعة للقرآن التي تحققت على حين غرة في فترة قصيرة .
الوعد بمجيىء الأحزاب وانهزامهم
يقول الله سبحانه وتعالى : (( وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا )) الاحزاب / 22
كان الله سبحانه وتعالى قد أخبر المؤمنين بأن الاحزاب وهم جيوش قريش وأسد وغطفان وبنو قريظة من اليهود وغيرهم ستجتمع عليهم لمحاربتهم وأخبرهم المولى تبارك وتعالى بأن النصر سيكون لهم مع ما سيصيبهم من بلاء وشدة ، فجاء الأحزاب كما وعد اللّه ورسوله وكانوا عشرة آلاف وحاصروا المسلمين وحاربوهم محاربة شديدة إلى مدة شهر وكان المسلمون في غاية الضيق والشدة ، حتى ان المنافقين قالوا : (( ماوَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا )) الاحزاب / 12 أي ان الوعد بالنصر كان باطلا ولن يتم أما المؤمنون فقالوا : هذا ما وعدنا اللّه ورسوله وأيقنوا بالجنة والنصر. كما أخبر اللّه تعالى بقوله : (( وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا )) الاحزاب / 22
ولو لم يكن هذا الوعد من الله للمؤمنين قد صدر لأعترض المؤمنون في ذلك الوقت على هذه الآية ولاهتزت قضية الدين واتهموا الرسول بالكذب حاشاه بأبي هو وأمي .
وبالفعل تحقق الوعد ودفع الله أكبر خطر قد حاق بالمسلمين في ذلك الوقت ورد الله الذين كفروا لم ينالوا خيرا ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم إلى بيوتهم ولسانهم يلهج : (( لا إله الا الله وحده ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده )) فأنزل الله بعد ذلك قوله ممتناً ومذكراً : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بصيرا * إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا )) الاحزاب / 9
الوعد الجازم بنصرة الله للرسول والتمكين له
يقول الله سبحانه وتعالى لرسوله الكريم : (( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ )) [ آل عمران : 12 ] . والمعنى أي قل يا محمد لهؤلاء الكفار من مشركي مكة واليهود وغيرهم ستغلبون أي في الدنيا وتحشرون أي يوم القيامة إلى جهنم وبئس المهاد . ولقد صدق الله سبحانه وتعالى وعده فإنه صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى نصره الله سبحانه وتعالى ومكنه من هؤلاء الكفار وطهر الجزيرة العربية من اصنامهم وشركهم . فسبحان من أنزل هذه المواعيد الصادقة .
ويقول الله تبارك وتعالى لرسوله والمؤمنين في شأن أهل الكتاب : (( فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )) البقرة / 137
والمعنى أي فإن آمن أهل الكتاب بمثل ما آمنتم به يا معشر المؤمنين - من جميع الرسل ، وجميع الكتب وأسلموا لله وحده ولم يفرقوا بين أحد من رسل الله فقد اهتدوا ، وإن أبوا فتولوا وأعرضوا فأمرهم لا يعدوا شقاقاً وحربا لله ورسوله ، لذلك قال الله تعالى لرسوله : (( فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )) وهنا نجد وعداً من الله لرسوله أنه سيكفيه من عانده وخالفه منهم وقد أنجز الله لرسوله وعده ، حيث سلطه عليهم وأجلى بعضهم ، وشردهم كل مشرد فمكنه منهم ، والحق ان الاشخاص المحيطين علما بالتاريخ الاسلامي هم القادرون على الاطلاع على عمق مفهوم هذه الايـة الـتي يستشف من ظاهرها ان أهل الكتاب المعاندين والمتعصبين الجاهليين والذين تعرضت منافعهم اللامشروعة للخطر مع ظهور الاسلام , لم يدخروا جهدا في التدبير الخفي والمعلن للكيد بالرسول والقضاء على الاسلام في بداية ظهوره .
فـي الـوقت ذاته تعطي الاية وعداً صريحا بان اللّه تعالى سوف يدفع شرورهم , ويسفه احلامهم , ويفشل مؤامراتهم , ففعل الله بهم ذلك عاجلا وأنجز وعده , فكفى نبيه صلى الله عليه وسلم بتسليطه إياه عليهم حتى قتل بعضهم وأجلى بعضاً وأذل بعضاً وأخزاه بالجزية والصغار . وهذه من احدى النبؤات الاعجازية . فلك اللهم ربنا الحمد على هذه المواعيد الصادقة .
الوعد الجازم باستخلاف النبي وأصحابه في الأرض
تحقق وعد الله سبحانه وتعالى باستخلاف النبي وأصحابه في الأرض وأن يبدلهم من بعد خوفهم أمناً وقد جاء هذا الوعد في وقت كان المؤمنون فيه قلقين خائفين لا يبيتون إلا بالسلاح كما سيأتي ، فأنزل الله وعده العظيم لهم بقوله كما في سورة النور آية : 55 : (( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا )) فقد أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن البراء في قوله تعالى : (( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ .. )) قال : فينا نزلت ونحن في خوف شديد .
وأخرج ابن المنذر والطبراني في الأوسط والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل والضياء في المختارة عن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه قال : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وآوتهم الأنصار رمتهم العرب عن قوس واحدة فكانوا لايبيتون إلا في السلاح ولا يصبحون إلا فيه فقالوا : أترون أنا نعيش حتى نبيت آمنين مطمئنين لا نخاف إلا الله تعالى ؟! فنزل قوله تعالى : (( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ .. ))
ولقد صدق الله عز وجل وعده فإنه صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى نصره الله وأعلى كلمته وفتح عليه مكه وسائر جزيرة العرب وأخزى المشركين وشركهم ، ثم تولى الأمر من بعده الخلفاء الراشدين الأخيار فلك اللهم ربنا الحمد على هذه المواعيد الصادقة . ، قَالَ النَّحَّاس : فَكَانَ فِي هَذِهِ الْآيَة دَلَالَة عَلَى نُبُوَّة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لأنَّ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ أَنْجَزَ ذَلِكَ الْوَعْد .
وقوله : (( كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ )) يراد بهم بنو اسرائيل فقد كان الرب تبارك وتعالى يهبهم الأراضي فكانوا يفتحونها بمعونته سبحانه وتعالى ، وهذا الأمر مذكور في كتبهم الحالية كما في سفر التثنية و يشوع والقضاة من العهد القديم .
يقول الله سبحانه وتعالى : (( وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )) [ سورة الانفال : 26 ]
يــــــــــــبع
7
7
7
7
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المستقبل وما سيجري فيه من أحداث ووقائع هو غيب ، لا يعلمه إلا الله ، وقد وردت آيات صريحة في القرآن الكريم تتحدث عن أخبار مستقبلية وتجزم بأحداث قادمة . وقد وقعت تلك الأخبار كما أخبر القرآن ، الأمر الذي يدل على مصدر هذا الكتاب الرباني ، ولقد تحققت هذه الأخبار المستقبلية في القرآن الكريم من خلال مظاهر كثيرة نذكر منها ما يلي :
الوعد الجازم بهزيمة المشركين في معركة بدر :
يقول الله سبحانه وتعالى : (( أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ * سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ )) القمر : 44 نزل هذا الوعد الإلهي في مكة عندما كان مشركي قريش يسرحون في اوج قدرتهم , بينما كان المسلمون مستضعفين يشكلون قله قليلة بينهم ، إلا أن الوعد كان جازماًُ بأن هؤلاء المشركين الذين يفتخرون بقدرتهم وشوكتهم وجمعهم سيهزمون ويولون الأدبار .. يقولون : نحن جماعة قوية متحدة و منتصرة : (( أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ )) , الا ان القرآن يعقب على ذلك مباشرة بقوله : (( سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ )) روى ابن حاتم بإسناده إلى عكرمة أنه قال : لما نزلت (( سيهزم الجمع ويولون الدبر )) ، قال عمر : أي جمع يهزم ؟ أي جمع يغلب ؟ قال عمر : فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع ، وهو يقول : (( سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ )) فعرفت تأويلها يومئذ.
ان من المسلم له هو عدم امكان حصول التوقع والحدس بالانتصار السريع للمسلمين وكسر شوكة اعداء الاسلام في ذلك الزمان وفي تلك المعركة إذ كيف سينتصر المستضعفون الأقلون عدداً وعدة على الاكثرين المتجبرين ؟ فلقد بلغ عدد جيش المشركين في معركة بدر كما في صحيح مسلم ( 3/1384) ألف رجل وكان معهم سبعون فرساً ، والعدة الكاملة والأعداد الكثيرة من الإبل للركوب والأكل ، على حين أن جيش المؤمنين كان 316 رجلاً فقط ، وكان معهم فرسان كما تذكر كتب السير وكما جاء في مسند الامام أحمد 1 / 422
إلا ان المعركة انتهت بنصر مؤزر للحق وهزيمة منكرة للباطل وضاعت هيبة قريش وتبين للجميع أن الحق مع محمد صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه .
وفي هذا قَالَ تَعَالَى ممتناً عَلَى عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ بعد ذلك : (( وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )) آل عمران / 123 أي انكم كنتم أذلة بِقِلَّةِ الْعَدَد وَالسِّلَاح إلا أن الله نصركم فَاتَّقُوا اللَّه لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ نِعَمه .
ولذا فإن الله سبحانه وتعالى قد سمى هذه المعركة بعد ذلك بيوم الفرقان أَيْ الْيَوْم الَّذِي فَرَّق الله فِيهِ بَيْنَ الْحَقّ وَالْبَاطِل وكان يذكر المؤمنين بهذا اليوم العظيم فيقول كما في سورة الانفال : (( إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ))
هذا وقد نقل بعض المفسرين : ان هذه الاية وهي قوله تعالى : (( سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ )) قد نزلت في ميدان معركة بدر , في حين ان الـمعروف والمشهور هو نزول سورة القمر باجمعها في مكة , والظاهر ان منشأ الاشتباه هو ان النبي صلى الله عليه وسلم كرر هذه الاية في ساحة بدر , فكانت اشارة واضـحة الى تحقق الوعد الالهي في ذلك اليوم , لهذا ظن البعض ان الاية نزلت في ذلك المكان , على كل حال فهذه هي احدى التنبؤات القاطعة للقرآن التي تحققت على حين غرة في فترة قصيرة .
الوعد بمجيىء الأحزاب وانهزامهم
يقول الله سبحانه وتعالى : (( وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا )) الاحزاب / 22
كان الله سبحانه وتعالى قد أخبر المؤمنين بأن الاحزاب وهم جيوش قريش وأسد وغطفان وبنو قريظة من اليهود وغيرهم ستجتمع عليهم لمحاربتهم وأخبرهم المولى تبارك وتعالى بأن النصر سيكون لهم مع ما سيصيبهم من بلاء وشدة ، فجاء الأحزاب كما وعد اللّه ورسوله وكانوا عشرة آلاف وحاصروا المسلمين وحاربوهم محاربة شديدة إلى مدة شهر وكان المسلمون في غاية الضيق والشدة ، حتى ان المنافقين قالوا : (( ماوَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا )) الاحزاب / 12 أي ان الوعد بالنصر كان باطلا ولن يتم أما المؤمنون فقالوا : هذا ما وعدنا اللّه ورسوله وأيقنوا بالجنة والنصر. كما أخبر اللّه تعالى بقوله : (( وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا )) الاحزاب / 22
ولو لم يكن هذا الوعد من الله للمؤمنين قد صدر لأعترض المؤمنون في ذلك الوقت على هذه الآية ولاهتزت قضية الدين واتهموا الرسول بالكذب حاشاه بأبي هو وأمي .
وبالفعل تحقق الوعد ودفع الله أكبر خطر قد حاق بالمسلمين في ذلك الوقت ورد الله الذين كفروا لم ينالوا خيرا ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم إلى بيوتهم ولسانهم يلهج : (( لا إله الا الله وحده ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده )) فأنزل الله بعد ذلك قوله ممتناً ومذكراً : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بصيرا * إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا )) الاحزاب / 9
الوعد الجازم بنصرة الله للرسول والتمكين له
يقول الله سبحانه وتعالى لرسوله الكريم : (( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ )) [ آل عمران : 12 ] . والمعنى أي قل يا محمد لهؤلاء الكفار من مشركي مكة واليهود وغيرهم ستغلبون أي في الدنيا وتحشرون أي يوم القيامة إلى جهنم وبئس المهاد . ولقد صدق الله سبحانه وتعالى وعده فإنه صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى نصره الله سبحانه وتعالى ومكنه من هؤلاء الكفار وطهر الجزيرة العربية من اصنامهم وشركهم . فسبحان من أنزل هذه المواعيد الصادقة .
ويقول الله تبارك وتعالى لرسوله والمؤمنين في شأن أهل الكتاب : (( فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )) البقرة / 137
والمعنى أي فإن آمن أهل الكتاب بمثل ما آمنتم به يا معشر المؤمنين - من جميع الرسل ، وجميع الكتب وأسلموا لله وحده ولم يفرقوا بين أحد من رسل الله فقد اهتدوا ، وإن أبوا فتولوا وأعرضوا فأمرهم لا يعدوا شقاقاً وحربا لله ورسوله ، لذلك قال الله تعالى لرسوله : (( فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )) وهنا نجد وعداً من الله لرسوله أنه سيكفيه من عانده وخالفه منهم وقد أنجز الله لرسوله وعده ، حيث سلطه عليهم وأجلى بعضهم ، وشردهم كل مشرد فمكنه منهم ، والحق ان الاشخاص المحيطين علما بالتاريخ الاسلامي هم القادرون على الاطلاع على عمق مفهوم هذه الايـة الـتي يستشف من ظاهرها ان أهل الكتاب المعاندين والمتعصبين الجاهليين والذين تعرضت منافعهم اللامشروعة للخطر مع ظهور الاسلام , لم يدخروا جهدا في التدبير الخفي والمعلن للكيد بالرسول والقضاء على الاسلام في بداية ظهوره .
فـي الـوقت ذاته تعطي الاية وعداً صريحا بان اللّه تعالى سوف يدفع شرورهم , ويسفه احلامهم , ويفشل مؤامراتهم , ففعل الله بهم ذلك عاجلا وأنجز وعده , فكفى نبيه صلى الله عليه وسلم بتسليطه إياه عليهم حتى قتل بعضهم وأجلى بعضاً وأذل بعضاً وأخزاه بالجزية والصغار . وهذه من احدى النبؤات الاعجازية . فلك اللهم ربنا الحمد على هذه المواعيد الصادقة .
الوعد الجازم باستخلاف النبي وأصحابه في الأرض
تحقق وعد الله سبحانه وتعالى باستخلاف النبي وأصحابه في الأرض وأن يبدلهم من بعد خوفهم أمناً وقد جاء هذا الوعد في وقت كان المؤمنون فيه قلقين خائفين لا يبيتون إلا بالسلاح كما سيأتي ، فأنزل الله وعده العظيم لهم بقوله كما في سورة النور آية : 55 : (( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا )) فقد أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن البراء في قوله تعالى : (( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ .. )) قال : فينا نزلت ونحن في خوف شديد .
وأخرج ابن المنذر والطبراني في الأوسط والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل والضياء في المختارة عن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه قال : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وآوتهم الأنصار رمتهم العرب عن قوس واحدة فكانوا لايبيتون إلا في السلاح ولا يصبحون إلا فيه فقالوا : أترون أنا نعيش حتى نبيت آمنين مطمئنين لا نخاف إلا الله تعالى ؟! فنزل قوله تعالى : (( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ .. ))
ولقد صدق الله عز وجل وعده فإنه صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى نصره الله وأعلى كلمته وفتح عليه مكه وسائر جزيرة العرب وأخزى المشركين وشركهم ، ثم تولى الأمر من بعده الخلفاء الراشدين الأخيار فلك اللهم ربنا الحمد على هذه المواعيد الصادقة . ، قَالَ النَّحَّاس : فَكَانَ فِي هَذِهِ الْآيَة دَلَالَة عَلَى نُبُوَّة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لأنَّ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ أَنْجَزَ ذَلِكَ الْوَعْد .
وقوله : (( كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ )) يراد بهم بنو اسرائيل فقد كان الرب تبارك وتعالى يهبهم الأراضي فكانوا يفتحونها بمعونته سبحانه وتعالى ، وهذا الأمر مذكور في كتبهم الحالية كما في سفر التثنية و يشوع والقضاة من العهد القديم .
يقول الله سبحانه وتعالى : (( وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )) [ سورة الانفال : 26 ]
يــــــــــــبع
7
7
7
7