مشاهدة النسخة كاملة : بنات في كراتين .. قصة للأسف ليست من الخيال بل هي واقعية ..


صمت المشاعر
11-10-2004, 03:02 PM
حدّثنا صاحبٌ لنا ، حسيبٌ نسيبٌ أديبٌ ، ذو خُلق ٍ وكرم ٍ ، أنّهُ مرّة ً قصدَ لشراءِ بعض ِ الأغراض ِ ، من الأدواتِ الكهربائيةِ ، كأدواتِ التكييفِ والثلاّجاتِ ، هرباً من لهيبِ الشمس ِ ، وفراراً من حرارةِ الصيفِ ، وبثّاً لروح ِ التجديدِ في البيتِ ، وتغييراً لنمطِ الحياةِ ، ودفعاً للرتابةِ وملل ِ القِدَم ِ .

فذهبَ إلى مَحلٍّ مُجاور ٍ لبيتهِ ، فدلفَ إليهِ ، وهو مليءٌ بالأجهزةِ ، مُطرّزٌ بروائع ِ الديكور ِ ، مجهّزٌ بأفخم ِ الأثاثِ ، ومفروشٌ ببهيِّ الفُرُش ِ ، ممّا تغوصُ معهُ قدمُ الزائر ِ ، وتضيعُ فيهِ نعلهُ ، وأخذ َ يُقلّبُ نظرهُ ، وينقّلُ طرفهُ ، ويحدوهُ الرونقُ العذبُ ، والمنظرُ البديعُ للمكان ِ ، إلى عدم ِ الملال ِ من النظر ِ وتجوالهِ .

ثُمَّ راحَ يُبايعُ ويُماكِسُ ، ويشتري ويُساومُ ، ويزيدُ في الطلبِ ، ويُنقِصُ في الدفع ِ ، حتّى إذا قضى نُهمتهُ ، واقتضى غرضهُ ، واستوفى حاجتهُ ، خرجاً ميمّماً شطرَ سيّارتهِ ، وآخذاً بُغيتهُ .

وبينما هو مُقبلٌ على سيّارتهِ ، أتاهُ شيخٌ كبيرٌ ، متقادمُ العهدِ ، ، وقد خطّتْ تصاريفُ القدر ِ على وجههِ كتابَ الشقاءِ ، ورسمَ البؤسُ على مُحيّاهُ صورَ التعاسةِ ، فاستوقفهُ واستصرخهُ ، وعاجلهُ بالتحيّةِ ، ثمَّ ثنّى عليها بالبسمةِ المكسورةِ ، والضحكةِ المقهورةِ ، وتنهّدَ نافضاً عنهُ غُبارَ الألم ِ ، وماسحاً عنهُ عناءَ التعبِ .

فقالَ الشيخُ الكبيرُ لصاحبِنا : هلاّ وهبتني هذه الكراتينَ ، التي تغلّفُ بضاعتكَ ، وتكسو حاجتكَ ! .

فقالَ لهُ صاحبُنا : وما حاجتُكَ لهذه الكراتين ِ ، وهي لا تسمنُ من جوع ٍ ، ولا تُكنُّ من شمس ٍ ، ولا تدفعُ برداً ، ولا تجلبُ رزقاً ، وإنّما هي ورقٌ مهملٌ ، وبضاعة ٌ لا قيمة َ لها ! .

فقالَ الشيخُ الكبيرُ : أنا رجلٌ كبيرٌ ، قد احدودبَ ظهري من مرِّ السنين ِ ، وكرِّ الأعوام ِ ، وأضناني الدهرُ ، وأشقاني تتابعُ الخطوبِ ، وليسَ لي حيلة ٌ أو قُدرة ٌ ، وما أنا إلا زمن ٍ عاطلٌ ، أنوءُ بأثقال ِ العُمر ِ ، وأقعدُ عن المعالي اشتغالاً بحالي ، ولي بناتٌ صِغارٌ ، قد تلحّفنَ الظلامَ ، وتردّينَ الفاقة َ ، وعاقرنَ البؤسَ ، وغذينَ الحاجة َ ، وليسَ لهنَّ ما يدفعُ عنهم برد الشتاءِ ، ولا حرَّ الصيفِ ، إلا تلكَ الكراتينُ ، وقد كانَ عندي منها شيءٌ ، لكنّهُ تفرّى وتقطّعَ ، وعدتْ عليهِ العوادي ، فأصبحَ لا يصلحُ لشيءٍ ، فهل لكَ أن تُصلحَ ما أفسدَ الفقرُ من حالي وحال ِ بناتي ؟! ، وتصلني بهذه الكراتين ِ ! ، لتكونَ لهم لِحافاً وفِراشاً ! .

فاغرورقتْ عينُ صاحِبنا بالبكاءِ ، وتخالجتْ المشاعرُ في صدرهِ ، ورقَّ لذلكَ الشيخ ِ ، ولحال ِ بناتهِ ، وتهاوتْ نحوهُ الهمومُ ، وتسابقتْ إليهِ العزماتُ لفعل ِ الخير ِ ، فأخذ َ بيدِ الشيخ ِ الكبير ِ ، ومضى معهُ إلى حيثُ يسكنُ ويأوي .

فدخلَ إلى كوخهِ ومأواهُ ، فهالهُ ما رأى من رثاثةِ حال ٍ ، وسوءِ مآل ٍ ، من بيتٍ هوى منهُ بعضُ سقفهِ وتهرّى ، والبعضُ الآخرُ قد تمسّكَ بالدعائم ِ ولاذ َ بها ، والجدرانُ صارتْ مأوىً للعناكبِ وبيوتها ، وقدّ طالتها يدُ الزمانُ فشقّقتها ، والبابُ قد استطالتْ فيهِ الشقوقُ واستدارتْ ، حتّى إنّ الساكنَ لا يُمكنهُ نضوُ ثيابهِ ، أو خلعُ ملابسهِ ، حذراً من جار ٍ يمرُّ ، أو غريبٍ يجتازُ ، وليسَ في البيتِ من متاع ِ الدنيا شيءٌ ، وفي ركنهِ القصيِّ سكنتْ أنفسُ بناتٍ من روائع ِ الخلق ِ ، ومحاسن ِ القُدرةِ ، كأنّهنَّ آياتٌ من زبور ِ عيسى ، أو بقايا من سحر ِ بابلَ ، تردّينَ أنماطاً بليتْ ، وأسمالاً خلِقتْ ، ونُقِشَ على محيّاهنَّ العفافُ والحِشمة ُ ، وبدا عليهنَّ الجُهدُ والإعياءُ ، وقد أكلتُ يدُ الدهر ِ منهم ، ما منحتهُ آياتُ الجمال ِ ، وسورُ الكمال ِ .

وما عدا ذلكَ فالبيتُ خلوٌ مقطوعٌ ، لا ترى فيهِ أثراً للحياةِ ، أو بقيّة ً من المُتعةِ ، ولا تجولُ عينُكَ إلا على المآسي وقد تجمّعنَ ، والرزايا وقد تمثّلنَّ .

قال صاحبُنا : فواللهِ ما تراءى لي إلا مشهدٌ من مشاهدِ أفلام ِ البؤس ِ والبائسينَ ، ولا خِلتُ نفسي إلا ودولابُ التأريخ ِ قد عادَ إلى الوراءِ ، حيثُ كانتْ الحياة ُ قاسية ً ، والفقرُ عاضٌ بنابهِ ، والجوعٌ ضاربٌ بأطنابهِ ، وعامُ الرمادةِ قد عقدَ لواءهُ ، ومدَّ رواقهُ .

قالَ : فوهبتهم ما جادتْ بهِ النفسُ ، وخرجتُ من هناكَ ، وأنا أجرُّ ورائي مآساة َ أسرةٍ تعيشُ في أكنافِ رجال ٍ عِظام ٍ أشدّاءٍ ، ولكنّهم غارّونَ غافلونَ ! .

وما إن أتمَّ صاحبي القصّة َ ، وانتهى من الخبر ِ ، حتّى دارتْ بيَ الأرضُ ، وضاقتْ عليَّ الفسيحة ُ ، وأظلمتْ الدنيا بعيني ، وتراقصتْ أمامي دُمى الأحزان ِ ، وشموعُ الأشجان ِ ، وخواطرُ البؤس ِ ، ورحتُ أترنّمُ بأغاني الشقاءِ .

سبحانَكَ ربّي ! .






تقبلوا تحياتي بااااااااااااااااااي(114) منقوله

ولــــd
11-10-2004, 03:29 PM
الله يجزاكي اختي صمت المشاعر

على هذي القصه المؤثره

والتي تنبض بكل العاطفه

الدفينه بداخل كل منا بس تحتاج الى من يوقضها

ولا يوجد اقسى من الفقر الذي يجعل المرء يصل الى ابعد من هذا

بكثير ولا نستطيع ان نقول الا الله يكون في عون الجميع

فهو سبحانه من يقضي حوائج الجميع

مع كل حبي وتقديري

صمت المشاعر
11-10-2004, 03:46 PM
يسلموااااا وله على مرورك (111)






تقبل تحياتي باااااااااااااي(114)

هاجس الشمال
11-13-2004, 05:01 AM
تسلمى أختى صمت المشاعر

على ذكر هذه القصه المؤثرة


تحياتي لكى(114)