مشاهدة النسخة كاملة : حجر ،ورقة، مقص


هيثم السالم
08-13-2008, 10:20 AM
حجر ، ورقة ، مقص


إذاً .. هي دمعة التشبّث بالفجيعة ، والاتكاء على حائط الحلم درءاً للانهيار !!
فدعيني ، أركنُ عميقاً تحت ترابك، ألتقف نغم الملائك تنفث البعث بأمل مات علّه يكبر في غابة أنتِ نيروزها ..
- يا سيدة الماضي ، الآنَ دونكِ ما أفعل به ؟!
- أغمِض على بحركَ .. أَوصَته ، ولم تعرف أن الألم قراصنةً يمتهنون اغتصاب العيون !! فيا للبحر - إذ أطرف الجفنُ- صار دخاناً في لحظة للقرصان تضحك عينه المعصّبة .

لم أشعر بالعطش كما آنذاك ! قلتُ لها : يا ريّانة ، أستسقي سماء عينيكِ .. فمالت بانكسار ، كعرضٍ لموت أخير، وسألت شفتاها المبتسمتان : ليفيض العالم ؟! كانت غيوم الله تسكنها .. أو أنها غيوم الله !! فمن أين غزتها كل كثبان الرمل هذه ؟
- الكلى .
أجاب الطبيب .
و ردّد : وهم ٌ، سراب هي واحتها .
- هو التصحّر إذاً ؟
( إذا قامت الساعة ، و بيد أحدكم فسيلة .. )
قمتُ أرسم لها شجرة العائلة ، ثم غرستُ بقايا نفسي في تربتها ، لأدرك أنها صيحة القيامة.
***
قمتُ من النوم أبحث عن بقاياه في قصة ما قبل النوم.. أتراه غرس نبتة الخلود ؟ لا بدّ أني غفوتُ ، كما دوماً ، قبل نهايات الحكايا !
يقرأ لي كل ليلة، ألف ليلة. وكلما شاكسته أن هرمتُ ! يداعبني، و يقول: فرُدّي نجوم الطفولة.
بدا وهو مسترخِ بقلق على كرسيّه بجانبي كجلجامش¹ الجبّار، وقد سرقته الأفعى . أمّا هي ، فقد استعجلها انكيدو² منذ سنوات ، رغم أنها كانت امرأة سلحفاة ، تتقن فنّ البطء، والتروّي ، دون حتّى أن تلفت نظر الإله !
آهِ يا مليكة ! مازلتُ أشمّكِ في قهوة ذاك الصباح ! سهوتِ ، و فناجيننا تنتظر.. سهوتِ ، فإذا هو الصباح المدلوق !
منذها، وهو يبحث عن سر الخلود في : (حجر ، ورقة ، مقص) ؛ عموده في الصحيفة اليومية .. وطفلتكِ السلحفاة ؟؟ أمارس التقوقع في عصر السرعة.. على نوافذ قلبي تعلمتُ أن أسدل الستائر، وأن أنظر من عين الباب لطارق قد يأتي، فلا أفتح ذراعيّ إلا إذا قال كلمة حبّنا: افتح يا سمسم .. أفتح، أجده بالعتبة، ملقىً كجثة عراقية، أقلّبها بحثاً عن هوية.. ها هي: (حجر، ورقة، مقص).. وكأنه يرمم الوجه المشوّه، بل ويعيد للجريدة ملامح حياة كانت، بقلم: صبري العميد.
***
حجر، ورقة، مقص هل عندكِ شك !؟
صبري العميد
هل عندكِ شك أنك أحلى وأغلى امرأة في الدنيا !! وأهمّ امرأة في الدنيا .. هل عندكِ شك أن دخولك في قلبي هو أعظم يوم في التاريخ و أجمل خبر في الدنيا.. .. وأني من عينيكِ سرقت النار و قمت بأخطر ثوراتي!!
¹ جلجامش : ملك بابلي أسطوري ، صاحب الملحمة الشهيرة ، ورحلة البحث عن سر الوجود التي انتهت بسرقة الأفعى لنبتة الخلود.
² انكيدو : صديق جلجامش الذي شاركه حروبه ، كان موته بالحمى سبب سعي جلجامش وراء سر الخلود.

كنتُ أتمنى أن أدع نزار يكمل قصيدته في عمودي دون أن أخذل قرّاء ومستمعي (هل عندكِ شك) حين يحين دور قلمي بفلسفتها..
هل عندكِ شك ؟! الشك طريق الوجود.. وإلا، فالعدم.. هل عندكِ شك ؟! سؤال استنكاري أم تأكيدي ؟ هل هو إنكار الشك، أم تأكيده ؟ تنكره لأنها في الحب تحتاج وجوده ، فتقصي وجودها أو تؤكّده لتبقى حرّة !! لمَ ؟ وهل الحب قيد ؟ ستجيب : أنا أشك ، إذاً أنا موجودة ، أم : أنا لا أشك لأني أحب !! فيصبح الحب ضد الوجود !
***
هل عندكِ شك أنكِ .. هدر رنين هاتفها الجوّال .. وأهمّ امرأة في الدنيا !
رغم أنّ مقال والدها الملغّم بالحب، والشك، والوجود أطلق مارد الألم، والهجر، والنكران من مصباح ذاكرتها السرية، إلا أنها لم تتخيّل أنّ تواطؤاً من هذا النوع المدهش قد يحدث..
- ألو .. أجابت بلغة الكاتم، و جاء الصوت نائياً: سُميّة.. كيف الحال ؟ آهٍ كم أحنُّ لصوتي ينام في مسمعه !! كان يشبه ذاك الشتاء، وكنتُ أحبُ البلل .. أعلّق ضجر المعطف، وأرتدي المطر.. كان يعزف بمزماره لكل الأفاعي الهندية في مخابئي ، وكنتُ أتلوّى فرحاً و عشقاً .. ثُم .. كسباق الخيول امتدّت بيننا الحواجز، وكنتُ أحبُ الركض في البرية !! - بخير.. وأنتَ ؟
- و أنا ، لكن .. الأستاذ صبري !! بدأت نبرته تتخذ وضعيّة المقص !!
- أبي ؟
- لا بدّ أن نبدأ له بالعلاج الكيماوي، المرض ينتشر.. أردتُ أن أخبركِ بنفسي حتى تسير الأمور بمنحى جدّي.. الصور الأخيرة .. .. .. حجزتُ له موعداً.. .. بعض التحاليل .. الأسبوع القادم .. .. المستشفى .. ثلثا الرئة .. .. هبّت كلماته تناثر المكتب أمامي، والخوف يُوسوسني : أبي ، ورقة في خريف السرطان! تصلّبتُ في مكاني، كحجر.. صوتي يعاني الأرق !! - ألو .. ألو .. سميّة !! أقفلتُ الخط ، كأني أنهيتُ للتوّ جرعة العلاج.. أو بدأتُ جرعة المرض!!
***
بدأ شعري يتساقط .. كان قد بدأ جلساته على ما يرام .. نذرتُ تقمّصه، فكنتُ تشرين ذاك المرض. عيناه أخيراً بدتا كسقف البيت القديم، بعيدتين.. ليموناً ينزّ عصيرهما فيتلقّاه قلبي المفطّر.. حامض همرُهُ .. حلو، قاسٍ، نرجسي، عنيد.. يتحاذق برأسه الأصلع أصلاً ، هازئاً بخبث الأورام .. قال لي: سأنتقل من العيش في المنافض.. أتركُ التدخين، وأسكن الأفق .. أحسستُ بالسلام هالة تحيطه .. بدأ يناكدني بغنائه: "سلّملي عليه، وقلّه إني بسلّم عليه.. " و يغمز مومئاً للخارج حيث طبيبه ، أو من كان حبيبي !! قلتُ له: ما من أحدِ يُوصِل السلام .. قال: إذاً فلتبقَ الحربُ بيننا دائرة، فقط أسقطي راءها.. ضحكنا، رغم الألم ، ضحك الطائر من فرط بكاء !!
***
حجر، ورقة، مقص أعيدوها !!
صبري العميد
أدري بأني أتحدّث إلى نفسي، فهذا ما يفعله المجانين.. و لذا عليكَ أن تصغي، مجنون يحكي، عاقل يسمع .. وهل بقي عاقل؟! يا مدينة السلام، والآمال المفخخة.. أتدرين كم نشبه بعضنا !؟ خراب أنا يا بغداد بعدكِ.. وهل لي أن أشمّ رائحة شعركِ المحروق بالبارود دون أن أصاب بسرطان الرئة !! أعيدوها لي .. أعيدوا لي أزقّتها، ضحكاتِ أطفالها، أعمدةَ رشيدها.. النهرَ، وأبا نواس.. أعيدوا عين علي بابا، فقد رأيتكم أيها الأربعون.. بادلتم الأرض مقابل السلام.. والنفط مقابل الغذاء.. وحريقها مقابل برودكم.. دعوها، وأعيدوها مقابل.. .. حياتي.
***
لم يكن يلبّي دعوات الغرباء.. إلا أن الذي جاءنا هذه المرّة فتح الباب دون استئذان، واجتاح عقولنا بدهشة، واستباح كرامتنا بفأسه الحادّة. كان أبا الغرباء، زائراً ثقيلاً أقام غصباً فيما تبقّى من خلايا رئتي والدي، الذي لم يكن يلبّي دعوات الغرباء. سألتُ : أبي .. ما بك ؟ قال : إنه الحطّاب يترصّدني .. نظرتُ ، فإذا بالرجل يجلس مختالاً أمام كوم من قهر بشر عراة .. مدّ يده متناولاً أبي كسيجارة بين السبابة والوسطى .. تأوّهت دمعتي، بينما نفرت منه ابتسامة بلون أسنانه .. صحت : أبي .. .. يا شجرة دائمة الخضرة.. أبي .. خشبة تحترق، دخانها يكتب فضاء الضمير: لو كان (أبو غريب)³ رجلاً .. لقتلته !!
***
صباح جديد .. أنظر من عين الباب لطارق غادر .. الجريدة جثة مجهولة الهوية، وأنا بالباب ، ذراعاي حنظلة . أعدّ القهوة ، وألعب مع المرض ، والحرب : حجر ، ورقة ، مقص .
**





³ أبو غريب : سجن عراقي ، اشتهر بفضائح التعذيب الأمريكية بحق المعتقلين العراقيين عام 2003.
منقول

رغـود
08-13-2008, 11:25 AM
الله بسعد صباحك أخي هيثم

عم بحكيك بالشات مابترد

الله يعطيك العافيه


موضوعك طويل رح ارجع ليه بوقت تاني لاني الحين بالشغل

هيثم السالم
08-13-2008, 12:44 PM
اهلا رغود انا اسف كنت مشغول وما شفتك في الشات وهذا من سوء حظي يا ريت ترجعي حتى نحكي سوى

دمــ حزن ــعة
08-13-2008, 12:48 PM
أخوى الهيثم سطرت لنا

بحبر كيبوردك قصه رائعه وجميله

لمشاهدة الروابط والصور يجب التسجيل.

على القصه اتحفتنا بروعه مانقلت

لك خالص ودي واحترامى

دموووعه

هيثم السالم
08-14-2008, 10:31 AM
اختي تويتي بمرورك اضفت للصفحة نكهة جميله وعطر فواح