مشاهدة النسخة كاملة : (( حلــــم لــم يكتمل ))


ريـــان
11-25-2007, 01:31 PM
" حلـــــــم لم يكتمـــل "



نسمات نيسانية مرت بهدوء تداعب شعرها الأشقر وتدغدغ وجهها النضر.. وهي غارقة في ذكرياتها الجميلة..

الساعة تقترب من السادسة.. وتسارع نبضات قلبها تكاد تسبقها.. البيت مليء بالسيدات اللاتي تزين بأبهى زينتهن استعداداً لحفل خطوبتها.. لكنها لا تشعر بهن.. تنظر إلى نفسها بالمرآة وهي تبدو ملكة في ثوبها الوردي وطوق الياسمين الذي يزين شعرها.. هل فعلاً ستصبح عروساً؟.. تساءلت.. تنبهت إلى صوت والدتها.. "ندى" .. "ندى" .. ما بك؟.. ستتأخرين..

اليوم سيعقد "ياسر" قرانه على "ندى" ابنة عمه التي لطالما تمناها زوجة له، وها هو قبل دقائق من تحقيق حلمه.. دقت الساعة السادسة وبدأت أصوات الزغاريد تتعالى.. الورود تزين المكان.. الموسيقى تصدح وقد ملأت الفرحة الوجوه.. وما أجمل وجهي هذين العروسين وعلامات الخجل ترتسم على وجهيهما.

"ندى" .. "ندى" .. استيقظت "ندى" من بحر ذكرياتها على صوت خطيبها "ياسر" الذي يستعجلها ليذهبا لشراء فستان العرس.. ابتسمت له وأخبرته بأنها كانت تتذكر يوم الخطوبة.. ابتسم بدوره وأخبرها أنه كان أسعد يوم في حياته ولكن الأسعد بعد ثلاثة أيام.. توردت وجنتا "ندى" خجلاً وانطلقت مسرعة لشراء فستانها الأبيض.

مرت الأيام الثلاثة مليئة بالحفلات والأغنيات والضحكات استعداداً لهذا العرس.. فالعائلة لم تشهد عرساً لأحد أبنائها منذ زمن طويل.. وها هما "ياسر" و"ندى" يعيدان الأفراح.

جاء اليوم المنتظر.. منزل العريس يضج بالأقارب الذين تسارعوا ليقدموا المساعدة في هذا اليوم السعيد.. تفاصيل الغداء وزفة العروسين وغيرها..

أما المشهد في بيت العروس فلم يختلف كثيراً.. ها هي العروس تتزين استعداداً لحفلة عرسها.. وأمها تخفي دموعها لفرط سعادتها.. فهي لا تصدق بعد أن ابنتها ستتركها وستصبح عروساً ثم أماً كما تتمنى.

المفاجأة كانت قبل العرس بساعة.. اضطرب حال المخيم وقلب خلال دقائق معدودات.. صرخ أحد الرجال.. الآليات العسكرية دخلت المخيم.. يقولون أنهم يبحثون عن مجموعة مقاومين.. لم يبق أحد في الشوارع..

ماذا سنفعل الآن؟.. قال "ياسر" بحسرة وهو يمسك بيد عروسه ليصحبها إلى مكان الحفلة.. قالت.. لا بأس.. ننتظر قليلاً.. اعتدنا على ذلك في جنين.. هذا ليس جديداً..

مرت ساعتان دون أن يهدأ الحال.. الجنود ينتشرون بكثافة ويفتشون كل سيارة تمر.. المروحيات تحلق بصوتها المزعج.. ولا أحد يعرف عمن يبحثون.

قال والد "ياسر".. سأطلب لكما سيارة يا بني لتذهبا على بيتكما.. يبدو أنهم لن يسمحوا لنا أن نقيم العرس.

لم يعلق "ياسر" بكلمة بل نظر إلى عيني "ندى" التي قالت بعد تنهيدة أطلقتها علها تخفف ما في قلبها من حزن.. لا بأس.. ها لبست الفستان الأبيض كما تمنيت وقد جاء أهل المخيم بأكمله لتهنئتي.. كانت الحفلة ستزيد من فرحتي.. لكن.. لا بأس.. المهم أن نصل بأمان..

صرخ "ياسر" .. لا يمكن.. إنه يوم واحد.. لا يمكن.. سنحتفل بعرسنا.. يا إلهي.. إنه يوم واحد في العمر.. ألا يحق لأهل جنين أن يفرحوا؟!.. يا إلهي ساعدنا..

لم تستطع "ندى" حبس دموعها أكثر من ذلك.. هدأت "ياسر" وهي تمسح دموعها.. كفى.. اهدأ وستتحسن الأمور بإذن الله.. إن الله يختبر صبرنا.

وافق "ياسر" بعد محاولات الإقناع الشديدة التي بذلها أهله أن يذهب إلى البيت دون حفلة.. تحولت الابتسامات إلى دموع.. والزغاريد إلى أصوات حزينة تبارك العروسين وتتمنى أن يسعدهما الله..

ودع الأهل العروسين اللذين ركبا سيارة غير التي كانت مجهزة بالزينة والورود..





- "ندى" .. أنا آسف.. وعدتك بعرس جميل تكون فيه الملكة.. ولكن..

- الذنب ليس ذنبك.. وأنا ما زلت عروساً بفستاني الأبيض هذا.. سنقيم حفلة صغيرة في المنزل ونعتبرها حفلة عرسنا..

ضحك الاثنان بمرارة وحزن.. فالحياة في جنين أشبه بالقارب الصغير وسط موجات عنيفة تضرب به دون رحمة.. فإن لم تكن قائداً جيداً لن تستطيع أن تظل على قيد الحياة وترسم ابتسامة تخفي خلفها خريف العمر..

لم تنته حفلة العرس الحزينة هنا.. بل كانت الصدمة أن جنود الاحتلال قد أوقفوا جميع السيارات وأمروا الناس أن يكملوا الطريق سيراً على الأقدام.. بدأ القلق يتسرب إلى نفس "ياسر" و"ندى" .. كيف ستمر "ندى" أمام هؤلاء الوحوش بفستانها الأبيض؟.. وماذا ستكون ردة فعلهم؟.. أفكار سوداء تراود عقل "ياسر" الذي بدأ يتصبب عرقاً ويلتقط أنفاسه بسرعة خوفاً على زوجته الحبيبة..

نزل جميع الركاب من السيارات وبدءوا يكملون طريقهم بألم.. نزل "ياسر" و"ندى" من السيارة.. انتبه الجنود إليهما فنادوا عليهما.. طلب "ياسر" منهم أن يسمحوا لهما أن يذهبا بالسيارة لأن المشي بفستان العرس صعب على زوجته.. لكن الجنود قابلوه بالاستهزاء والسخرية وقالوا له أن أهل المخيم لا يجوز لهم أن يفرحوا!!.. ثار "ياسر" غاضباً وبدأ يشتمهم.. فسارعت "ندى" وهدأته ليصلا بأمان.. لكن الجنود لم يعجبهم أن يشتموا ولا يردوا..

أمسكوا "بندى" وأرادوا أن يعذبوه بإهانتها.. طلبوا منها أن ترقص لهم ليسمحوا لهم بمتابعة الطريق.. لم تلب "ندى" ما طلبوا بل صفعت الجندي الذي تجرأ على قول ذلك.. استشاط الجندي غضباً وبدأ يجذبها نحوه.. فسارع "ياسر" وأمسك قطع حديدية ضرب بها رأس الجندي فسقط قتيلاً..

مرت لحظات من الصمت والذهول وعدم تصديق ما جرى.. الأجساد تجمدت.. والكلمات توقفت.. لا شيء سوى انتظار ردة الفعل.. صرخت "ندى" من هول المنظر.. فاحتضن ياسر زوجته ليحميها من هؤلاء الوحوش.. وهنا...

بدأ وابل الرصاص يتساقط عليهما كزخات المطر.. لم يشفع لهما يوم عرسهما ولا الفستان الأبيض الذي صار أحمراً.. لم تشفع لهما زغاريد الفرح التي غابت منذ زمن.. لم تشفع لهما توسلات الناس أن يكملا طريقهما إلى عش الزوجية الذي لن يصلاه أبداً..

تهاوى العروسان كعصفورين صغيرين يخضبان الأرض بدمائهما.. ابتسمت "ندى" ابتسامتها الأخيرة وقبلت يد زوجها قبل أن يذهبا إلى قصرهما الأجمل في السماء..

لم ينبس الناس ببنت شفة من فظاعة المشهد.. تجمد الجنود وهم يرون فعلتهم اللعينة.. ووسط هذا الصمت الرهيب انطلقت زغرودة امرأة مسنة تبعتها زغاريد باقي النساء.. زغاريد تسمع المخيم ودموع تنهمر من عيون تشيعهما على مثواهما الأخير وتتمنى من الملائكة أن تقيم لهم حفلاً جميلاً يعوضهم عما رأوه..

رش التراب برفق على جثمانيهما الدافئين.. دفنا بثياب الفرح.. ودفن معهم الحب والأمان.. دفنت الذكريات واللحظات الحلوة.. دفنت الآمال العذبة في قلب العروسين ولم يبق سوى دعاء لله لعله يكتبهما شهيدين ويسعدهما بعرس في الجنة..

في تلك الليلة.. انهمرت الأمطار بغزارة كأنما المخيم يبكي عروسيه.. كأنما يسقى التراب لينبت فوق القبر ورداً.. لعل المطر ينثر الخير في المكان.. وينبت الزهر من جديد ليحفظ ذكرى عروسين اثنين حرمهما الاحتلال من إتمام حفلة عرس كانت حلماً جميلاً لم يتمنيا غيره.. ولن يتحقق لا هو ولا غيره!!! ..

مــتــهــور
11-25-2007, 04:01 PM
:sasd27:
الله يعطيك العااااااااااااااااافيه بس ياريت تكبر الخط شوى عشاااان انحولت عنونىخخخ(84)
(111)

سلمآن
11-25-2007, 06:00 PM
تسلم اخووي

يعطيك الـعــاافيـه

إبدعت

ذوق يااذوق

tђέ şσuℓ~ ●•
11-25-2007, 07:29 PM
يعطيك العافيه على الموضوع

الف شكر لك . .




دمت بخير

’’ الذوقــ الرفيــع ’’

ريـــان
11-25-2007, 11:42 PM
مشكورين علىىىىىىىىىىىىى المرور